الباب الرابع: في ذكر العلامات التي يستدل بها على عقل العاقل وذكاء الذكي
قال مؤلف الكتاب :هذه العلامات تنقسم قسمين :أحدها من حيث الصورة، والثاني :من حيث المعنى والأحوال والأفعال.
ذكر القسم الأول :قال الحكماء الخلق المعتدل والبنية المتناسبة دليل على قوة العقل وجودة الفطنة، وإذا غلظت الرقبة دلت على قوة الدماغ ووفوره ومن كانت عينه تتحرك بسرعة وحدة فهو مكار محتال لص وأحمد العيون الشهل وإذا لم تكن الشهلاء شديدة البريق ولا يظهر عليها صفرة ولا حمرة دلت على طبع جيد وإذا كانت العين صغيرة غائرة فصاحبها مكار حسود ومن كان نحيف الوجه فهو فهم مهتم بالأمور واللطف في التحاف القصار أظهر و المعتدلون في الطول صالحوا الحال.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أخبرنا أحمد بن أحمد قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا الحسين بن علي بن نصر قال حدثنا محمد بن عبد الكريم قال حدثنا الهيثم بن عدي قال حدثنا ابن عياش قال حدثنا الشعبي قال حدثني عجلاً قال لي زياد أدخلت على رجلاً عاقلاً قلت أتاه برجل حسن الوجه مديد القامة فصيح اللسان قلت ادخل فدخل فقال زياد يا هذا إني قد أردت مشاورتك في أمر فما عندك قال أني حاقن ولا رأي لحاقن قال يا عجلان أدخله المتوضأ فلما خرج قال إني جائع ولا رأي لجائع قال يا عجلان أئته بالطعام فأتى به فطعم ثم قال سل عما بدا لك فما سأله عن شيء إلا وجد عنده بعض ما يريد أخبرنا المحمد أن ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا أخبرنا حمد بن أحمد قال أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا عثمان بن محمد قال أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى قال سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول من وجدت فيه خمس خصال رجيت له السعادة ولو قبل موته بساعتين قيل ما هي قال استواء الخلق وخفة الروح وغزارة العقل وصفاء التوحيد وطيب المولد.
ذكر القسم الثاني:وهو الاستدلال على عقل العاقل بالأفعال والأقوال:
قال المؤلف :يستدل على عقل العاقل بسكوته وسكونه وخفض بصره وحركاته في أماكنها اللائقة بها ومراقبته للعواقب فلا تستفزه شهوة عاجلة عقباها ضرر وتراه ينظر في الفضاء فيتخير الأعلى والأحمد عاقبة من مطعم ومشرب وملبس وقول وفعل ويترك ما يخاف ضرره ويستعد لما يجوز وقوعه.
أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار قال أخبرنا أبي قال أخبرنا الحسن بن الحسين دوماً قال أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار قال أخبرنا أبو حذيفة إسحاق ابن بشر القرشي قال أخبرنا جعفر بن الحرث عن شهر بن حوشب قال. قال أبو الدرداء أبو حذيفة أنبئكم بعلامة العاقل يتواضع لمن فوقه ولا يزدري من دونه يمسك الفضل من منطقة يخالق الناس بأخلاقهم ويحتجر الإيمان فيما بينه وبين ربه عز وجل فهو يمشي في الدنيا بالتقية والكتمان.
قال القرشي وأخبرني إدريس عن جده وهب بن منبه أن لقمان قال لابنه يا بني ما يتم عقل امرئ حتى يكون فيه عشر خصال الكبر منه مأمون والرشد فيه مأمول يصيب من الدنيا القوت وفضل ماله مبذول، التواضع أحب إليه من الشرف والذل، أحب إليه من العز لا يسام من طلب الفقه طول دهره ولا يتبرم من طلب الحوائج من قبله يستكثر قليل المعروف من غيرها ويستقل كثير المعروف من نفسه والخصلة العاشرة التي بها مجده وأعلى ذكره أن يرى جميع أهل الدنيا خيراً منه وأنه شرهم وإن رأى خيراً منه سره ذلك وتمنى أن يلحق به وأن رأى شراً منه قال لعل هذا ينجو وأهلك أنا فهنالك حين استكمل العقل قال القرشي وأخبرني عثمان بن عبد الرحمن عن مكحول أن لقمان قال لأبنه غاية الشرف والسؤدد حسن العقل ومن حسن عقله غطى ذلك جميع ذنوبه واصلح ذلك مساويه ورضى عنه مولاه. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الدربندي قال أخبرنا محمد بن بكر الوراق قال حدثنا أبو أحمد علي بن محمد بن عبد الله المروزي قال حدثنا شهاب بن الحسن العكبري قال سمعت الأصمعي يقول سمعت إبان بن جرير يقول قال الملهب بن أبي صفرة يعجبني أن أرى عقل الكريم زائداً على لسانه ولا يعجبني أن أرى لسانه زائداً على عقله